Subscribe:

Ads 468x60px

كشكول مقالات









السجادة الحمراء(1)


أنتم تدأبون لكي تظهروا أمام عيون البشر بمظهر القداسة ولكن الله يعلم ما في قلوبكم. من يظهر عظيماً ومعتبراً استنادا إلى رأي الحواس سيتلاشى في عجزه التام أمام الله)
«من أحاديث يسوع عليه السلام - من كتاب حياة يسوع / هيجل» .
ونحن عاجزون تماماً، كمتفرجين، عن توقع نهاية معقولة أمام أحداث مصر؛ ندير حواسنا كلها بكافة اتجاهات القنوات المفتوحة والمشفرة، نترقب - كل بحسب شهوته - ما الذي سيحدث في اللقطة القادمة، فرغم تقادم الأيام وتسارعها نحو منتصف الشهر، وصبر الصانعين والمتنفذين والمتفرجين، إلا أن الحدث قد أصابه الملل من طول المدة التي قبع فيها داخل ميدان التحرير، يحاول صنع نهاية حزينة لرجل سعيد بمنصبه وسنوات عصره الذهبي، وخدمته العسكرية والسياسية، ولا شك، سعيد بما يحدث الآن!
وعلامة التعجب الكبيرة المرسومة على وجوه معظم المتحاملين، عاطفياً أكثر منه منطقياً، هي من جراء برود أعصاب الرئيس، إن لم تكن قوتها.. فكل ما يحدث ويقال ويموت ويحرق وينهب لم يحرك فيه شعرة ولم يثره لكي يطلق تصريحاً مجنوناً يحسب عليه، بكل تعقل وتجرد من العواطف الحارة، وحليفة طلاق أو دين؛ اتخذ قراره بأنه لن يتنحى، ولن يهرب، ولن يتنازل ما لم تنته مدته الشرعية بحسب دستور الدولة التي هو يخدم في حكومتها! بل وزاد بعاطفة من شكل آخر أرجعه إلى سنوات خدمته العسكرية، بأنه لن يموت إلا في تراب بلده.. مما حيّد كثيراً من الهتافات، وحشرج كثيراً من الحناجر - إما بكاء أو تعاطفاً - وقرر إضافة تغييره للحكومة التي لم ترض طموح الشباب والشعب.
والشعب يريد إسقاط النظام، والنظام هو الحكومة التي تدير الدولة، والدولة هي مصر التي يهتفون بعدم خرابها، والخراب أصابها من إنسانها وحتى طقسها الجوي؛ فقد غيرت أجواء الثورة الشبابية المفاهيم والأصوات والملامح والصور كثيراً جداً، ليس في مصر فقط كجغرافيا ذات حدود، لكن كتاريخ إنساني، وكتغيير جيوسياسي في المنطقة كلها، باعتبار أن مصر أيقونة الدول العربية، وفيها من الحريات والحقوق والقوانين والتشريعات وقوة الإعلام على قول الحقيقة، ما لا يحلم به الكثير من العرب والأفارقة الموجودين حولها.
وما حول مصر من بلدان وسياسات تتعارف عليها بأنها هوليوود العرب في ما يتعلق بالدراما والغناء والثقافة والفن عموماً.. ناهيك عن أنها واحة السياحة العربية المرغوبة من أثرياء العرب والأجانب، بانفتاحها ومستوى حرياتها وطبيعتها الإنسانية والبيئية الساحرة، وأنها مهد الحضارات القديمة - برغم قدم حضارات أخرى لم تجد حظها إعلامياً - ناهيك عن النزعة الوطنية المتوغلة في دماء أبنائها، ليس اعتباطاً، إنما بتربية ممهدة بمقررات ومناهج دراسية تبدأ منذ الحضانة وتنتهي في ميدان التحرير.. أو تبدأ!
وما بدأته حركة التغيير الشبابية في الخامس والعشرين من يناير الماضي على شبكات الإنترنت والفضائيات المرئية والممنوعة والمحجوبة، قد أنهى تاريخاً ممتلئاً بالأحلام التي مارسناها سراً بأن (بختهم المصريين) وعلناً بقطعنا تذاكر ذهاب وإياب لننعم بحرية مقتصرة بإجازة أو دراسة أو عمل أو تجارة، وختم مسلسلاً تركياً مترجماً بلغة رديئة، وأداءً هزيلاً عن فوضى إدارة الأعمال الحكومية في البلدان العربية التي تمارس العتمة كتوصيلات كهربائية لتظلم عقول شعوبها.. فتح عيون الشباب المصريين الذين حاولوا إلهاءهم بالمراقص والتنظيمات والتفجيرات وبهزيمة الأمن السوداني في مباراة الجزائر ومصر! وبزواج (غادة عبد الرازق) وتصريح (جورج كلوني) على السجادة الحمراء لمهرجان القاهرة السينمائي، مما جعلهم يصنعون سجادتهم الحمراء من دماء الشهداء والجرحى على طول ميدان مصر، يمشى عليها نجوم العرض الأول لفيلم وثائقي/ روائي يأتي في سلسلة لا متناهية من الحلقات تثقفنا وتوحدنا حتى بأمزجة مختلفة...
{ وما زال الممشى عريضاً...


 السجادة الحمراء (2)

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) صدق الله العظيم. «الآيتان 5 - 6 من سورة القصص»
والقصص المشوقة المصاحبة لحدث الثورة الشعبية في مصر، تكفي حدثاً لحالها؛ من الحائط الكاريكاتيري الذي أصبح حائط المَضْحَك للشعب المصري، يأتي إليه إما راسماً أو معلقاً أو متفرجاً، للتنفيس بشكل مختلف عن مكنون صدره، بجانب الملامح لأشكال القبعات الواقية من الشمس والقنابل والكمامات، إلى سجادات الصلاة والنوم والقيلولة، وبالطبع النشاط الثقافي والاجتماعي المصاحب للثورة. كل تلك القصص ستكون ذات تاريخ آخر، روايات وأفلاماً، تروي لأجيال قادمة ما الذي حدث هناك.
وهنا ننتظر يدنا على قلب ريموت كنترولنا، كجيران يصلنا صوت/سوط الثورة، نخاف أن يؤثر ذلك بالطريقة السلبية كما قد سبق، وبلا وعي، ولا معرفة بجغرافيا الإنسان والمكان السوداني، نتوقع ونحلل، وبلا شك نكتب من وحي الانتظار، وربما التوقع أو محاولة المشي على شرف الممشى الأحمر، ولو من بعيد لبعيد. فمن قريب تقول الشاشات الحية ما يرفض الواقع التحدث عنه، ونقع نحن في فوضى الحواس بين أن نصدق ما نراه، أم نعترف بما نسمعه، أم نؤمن بما نحسه؟ والحكومات العربية ترفض التصريح بموقف واضح تجاه هذه الثورة الشعبية، كما حدث من قبل في تونس، إن كان بالموافقة أو بالرفض لثورة الشعب المصري، كي لا تقع في المحظور؛ فإن سقط النظام وهم رافضون للثورة، جعلوا كدول في القائمة السوداء للحكومة المجددة، وإن استمر الرئيس (مبارك) وهم موافقون على الثورة، وضعهم لاحقاً في قائمة الأعداء، وما بالك بعداء الرئيس (حسني مبارك)!!
لكن المباركة لتلك الثورة الشبابية البحتة - رغم محاولات اعتلائها من الأحزاب المسنّة- تأتي من قلوب الشعوب على الهواتف المداخلة للقنوات المفتوحة أو الرسائل القصيرة أو على الشبكة العنكبوتية أو... إلخ، ومن غير خوف من عداء أو قائمة سوداء، إنما كفعل مجذوب نحو عسل وطني مختلف عن طعم الخل الحكومي، ولو كان صحياً! ربما لهذا نتفق على أن تونس مثلت (كثورة ياسمين) مركز التغيير في المغرب العربي، كجغرافيا متشابهة الملامح في الإقليم المغاربي، جعلت -برضا أو إباء- أن يتم التغيير حتى في المملكتين المغربية والهاشمية بشكل حضاري ومتقدم من الحذر لثقافة (بلّ الرأس).
وإن مصر بجامع رؤوس ثقافاتها وتحررها الديني والثقافي والإنساني، وتقدمها السياسي والاقتصادي (كثورة فل)، هي تسمية مقترحة لأن مصر ملكة الفل كورد يأتي مساءً بروائحه، وورقاته الناعمة عقد للعشاق، ويزهر صباحاً كبياض يفتتح اليوم برضا رزقه للباعة المتجولين* ستمثل بالضرورة النواة لخلية التغيير للألفية الإنمائية؛ مختلفة تماماً عمّا يظنه الناس، ليس في إقليم المتوسط فقط، إنما لأفريقيا عموماً، وبلا شك العرب، رغم بطء سلحفاة التغيير السياسي في رؤوس الحكام المعنيين في الوصول إلى (ميس) مريح للشعب والنخبة الحاكمة، إلا أنها ستصل في النهاية لتخبرهم بما يريده الشعب. وبالتأكيد لا ضرورة في كل بلد لأن يكون المطلب إسقاط النظام، لكن سماع ما يريده الشعب من تصحيح فكرة الفساد الحكومي، وحتى النزول عن صهوة الخطاب الديني المتزمت غير المحترم لتعاليم الدين السماوي الأعلى، المنادي باحترام الآخر؛ إنسانيته ودينه وثقافته.
إن ثقافة التماهي مع الآخر التي نرعاها رسمياً في السودان، بحاجة كذلك إلى أن تتغير، تأدباً لثورة الشباب المصري الرافض للاندماج في الغير، أو الانخراط في موجة التفاوض والمساومة على سلطة وثروة، بأن نعرف كشباب مطالبنا، ونتحدث عنها بأدب وتهذيب فكري وإنساني، وبلا تخريب على كل مستويات الحواس، بدءاً من اللغة - التي صارت لدينا منحطة لدرجة الاستشهاد ب-(الراندوك) المخترع كلغة رفض كاسرة لواقع خشن يتداعى إلى الزوال الآن، وللأسف تمارس ممن يدعون نخبويتهم كشباب لهذا البلد! وختاماً بمعرفة أدب المشي على ممر ضيق بدون الاصطدام بآخر، أو عدم الاعتذار بلياقة.. حتى لا يتحول هذا الممر إلى سجادة حمراء من الدم ونروح (سمبلا)!!.. - وسمبلا تعني ساااي، بعربي جوبا وهو كلغة يُحْتَرَم.


الحب الداء

{ حضرتْ ولم تجدني رسالة من الأستاذ (جبارة محمد أحمد المقدم) بكامل بهاء احترامه يتواضع بأن ما يكتبه قد لا يرقى لمكان، وها أنا ذا أعيد إرسالها إليكم، لتثبيت حسن نواياي تجاه سيادته، ولأني أقف مثقوبة العينين حين الشعر لا أعرف كيف يتم تصنيفه ولست أعرف ما الذي يصلح. أدعوكم معي لتناول بعض من عصير فاكهة حروفه الطازجة معكم ومناقشة الأمر بيننا في ما يتعلق بأمر الحب الداء..
{ بعض الحب داء
يتسرب كالفيروس إلى الأحشاء.
.. كبرد قارس دون غطاء..
قصيدة حب تتوسل بحروف الكلمات العرجاء..
كانت تحلم بحصان أبيض
على سرجه فارس كالسيف
كانت تحلم
تنتظر القادم...
والأمر.. ليس كما كانت تأمل
فالفارس صياد
يبحث عن الغزلان الشاردة
ينصب شراك 
ودون حياء..!!
ودون حياء قابلها..!!
كان هناك في بيت  صديق..!!
وكانت هيَ..
أشار إليها
وبخطوات مدروسة..
.. غازلها.. واعدها.. قابلها.. حادثها
وعلى صفحات أمسية بيضاء..
كتبت حرفاً.. كتبت ألفاً كتبت حاء..
وكتبت باء
وانهزمت.. ركعت.. وعدت...
وأجاب نداء.. إني أهواك أيا قدري
أعطاها وعداًبالإخلاص..
ودوام العشق ودوام الود..
والحب رداء..
وتمر شهور..
في صمت مطلق..
وتمسك هاتف: «أغداً ألقاك»؟
عذراً قدري..
وتقول زواج..؟!  صبراً قدري..!
والصبر جواد لا يُلجم..
ثارت غضباً.. أخذت ورقاً.. أخذت قلماً..
تكتب سطراً تشطب آخر..
تئد وليداً.. سُمِّي زوراً.. سُمِّي حباً..!
أضحى أمسى بلا عنوان..!!
رفعت هاتف..
خائن.. كاذب.. زائف..
وغد يرتاد حقول الحب.. بمنجل.. حاقد
يحصد يلثم
وفي أحضان الجدول.. يرمي الجسد الهامد
لا يهتم...
والهاتف يرن.. بفتاة أخرى
خضراء كنبتة حناء
فارعة الطول.. في ثغرها بسمة
في يدها.. منديل مبتل
بدموع الحب ودفع الشوق
وأماني الغد
والغد.. أضحى وعداً مرتد
والوغد.. لا يهتم
في يده منجل
يختار الأجمل  
يختار الأروع
يغتال الأحلام

لا يهتم.
> من الكاتبة:
{ دائماً شكري بالغ للذين يثقون بمساحة أرض في ما يتعلق كمكان فسيح يستطيعون فيه التقاط أنفاسهم المتلاحقة إن كانت بالرد المعلق على مادة سابقة أو بالكتابة الحرة أو الشعر أو حتى الامتعاض والتذمر من عدم معرفتي بأصول الكتابة وضرورة التزامي بعملي داخل جدران المنزل - وهو من أشرف المهن التي عملت بها على الإطلاق أن تكون وظيفتي أُم وأفاخر بذلك طالما أتيح لي زمن - ورغم أنني ذات حرف قررت أن أؤدي عملي كاملاً دون اللجوء إلى صندوق البريد يريحني من رهق الكتابة اليومية، إلا أن محبتي في أن يرى الجميع بعض ما يصلني متشاركين فيه صباحاً ومساءً بفعل الكتابة والقراءة وددتُ هذه المرة أن أرتَّب المكان لاستضافة رشيقة من أستاذ فاضل خصَّني ببث ما كتب، وحيث أن أمر الشعر عجب و أمر الشعراء أغرب؛ فإننا نتبعهم هائمين نخاف أن نتجرأ على مساحاتهم ونقول فيها إنها ماذا؟ وهذا ما سيكون من نقاشنا حول قصيدة الأستاذ (جبارة).. ثم أنني شاكرة له ببالغ التقدير.



أنا خايفه يا أمي
كان الوقت نهاراً، حسبما أذكر، وكانت النسوة مجتمعات بأرطال شحومهنّ يزدن من سخونة الجو والحدث، وكنت فرحة بطعم ولون الحناء المائل إلى اللون الغامق قبل درجةٍ من السواد، وكان أبي، الذي حينها لم يذهب بعيداً بعد ـ كان بعيداً في مكان عمله، وكانت شقيقتي الكبرى تغرق في الصمت بكل ما أوتيت من قوة، وكان جو المنزل فرحاً.. تدعمه (الدلوكة) وفتاة غريبة يطوف وجهها الآن في ذاكرتي لكن لا أعرف من هي ولا من أين أتت بهذا الحماس وحنجرتها تقفز عروقها بأغنية مكررة تقول (ده اليوم الدايرنو ليك مبروك عليك، أمك سوت قدرتها والعزّاها عزّ قبيلتها، مبروك عليك). وكان أخي الأكبر يقوم بحبس مشاهد الفرح داخل علبة كوداك، لتخرج بعد حين منتظمة في ألبوم ذكرى اليوم، تثبت بما لا يدع مجالاً لمغالطة أنها الوثيقة الفاضحة لكل المشتركين في جريمة ختاني!
وقد ختمت القابلة الشعبية ختم العفة التقليدي عليّ وشقيقتي، كنوع من اختصار الوقت والتكاليف، وكطقس يشترك فيه الأهل ذاك الزمان في تمجيد عادة الختان المقدسة. وكانت القابلة ذات «مساير» طويلة سوداء لامعة، وشلوخ في وجهها عميقة، تحسبها دروباً مشت فيها البنات المختونات، لكن دون أن يتركنّ أثراً عليها أو على الطاولة المنتصفة غرفتها ذات «الرملة الحمراء» كخلفية ذاكرتي الآن! وبفارق زمني بسيط تمت عملية الختان ومعنا أخريات يقفن بعدنا مع الخالات والعمات أو الحبوبات ـ فالأمهات لصعوبة المشهد يقمن بتكليف غيرهن بتلك المهمة ـ نرتدي نفس الأزياء ـ قمصان النوم الصغيرة ـ التي خاطها ترزي العائلة من قماش القطن البارد، أو الخيط، وبذات الحناء باختلاف درجات اللون، وذات الضفائر باختلاف نعومة وطول الشعر!
لم أشعر وقتها إلا بأهميتي لاهتمام الكل بي، فأنا العروس الصغيرة، وهذا ما نحبه! مع ألم، لم تمكنني سنوات عمري وقتها من إدراك مداه وصعوبته البالغة إلا حين تلبيتي لواجب الطبيعة، فكان شعوري بالخوف أكثر من الوجع، وأحبس أنفاسي لأقول (أنا خايفة يا أمي)، فتنتهرني بحزم كي أفعل ما يجب، ثم بتشجيع مخادع بما سأحصل عليه من مال وحلوى، ويتكرر الخوف والوجع كلما حاولت الجلوس لالتهام الوجبات المعدة بعناية فائقة، ومذاق مميز لم ينجح حتى الخوف في السيطرة عليه داخل ذاكرتي ـ تفوح الآن نكهة شوربة الحمام وتحلية الكاسترد طبعاًـ ثم تكررت كل التفاصيل منذ الإعداد للحناء وتفصيل الأزياء مضافة إليها النماذج الصغيرة، والترقب، لكن بحساب سنوات أكبر وألم أفظع وخوف أكثر، وبدون مغنية غريبة لكن بتهنئة (مبروك عليك) لمّا تخرج القابلة من غرفة الولادة تبشر (اتحلّت بالسلامة).
وسلامة الولادة بدون ختان تختلف تماماً عنها بالختان في الاتجاه المخيف،وهذا بحسب رأي الخبرة والعلم والمنطق والدين. فالنسبة المئوية الإحصائية لوفيات الأمهات والمواليد بسبب الختان وتعقيداته الأخرى المصاحبة للولادة كانت في آخر مسح منشور للأمومة الشاملة عام 1996 تبلغ 69%، بهبوط بلغ 30% عن النسبة السابقة، وباستمرار حملات التوعية للتخلي عن الختان يعتقد أن النسبة ستقل في المسح الأخير الذي أجري العام الماضي، ولم تظهر نتيجته بعد. فمن قبل كان الحديث مختوماً بشمع أحمر من العقد الثقافية والأخلاقية والاجتماعية... إلخ. لكن من بعد الحملات الكثيفة التي نجحت في نشرها منظمات المجتمع المدني للتأثير على الدولة بإنتاج البرنامج القومي لمكافحة الختان عام 2004؛ فإن نسبة البنات المختونات قد قلت جداً، مما جعل للحديث عنه الآن متعة تقترب من مسح ذاكرة الألم!
إن ما يلم بالطفلة المختونة من مختلف الأحاسيس لا يشبه بحال ما سيلم بها إن نجحت في اختراق الحياة حية، فكثيرات قد رحن ضحية، من الآم مختلفة المراحل منذ البلوغ وحتى سن اليأس، بحواش جانبية من عمليات جراحية لإزالة الأكياس والحبون، ولا شك من خوف ليلة العمر بكل بهائها وحنائها وزغاريدها ودلوكتها بإعادتها لإحياء ذكرى الختان مرة أخرى، لكن مع إحداثيات مختلفة تستلزم أن تقول العروس الكبيرة: (أنا خايفة يا أمي).. لهذا تمنحني أمومتي وتجربتي السابقة، غداً الموافق اليوم العالمي للتخلي عن ختان الإناث؛ الحق أن أقف بلا خوف ضد أمي ومفاهيم الخطأ، كي نعالج ما لم نستطع عليه صمتاً بعد الآن لصالح طفولة سليمة!